بقطع النظر عن صحة الإشاعات حول حالة السيد قيس سعيد من عدمها
السيد قيس سعيد وضع وثيقة سماها دستورا نص فيها على أنه في صورة الشغور النهائي يتولى رئيس المحكمة الدستورية رئاسة الدولة بين 45 و 90 يوما، ثم لم يعين أعضاء المحكمة الدستورية رغم سهولة العملية بالنسبة له.
لمن بقي من أنصاره لاحظوا أنه لم يفكر بحال فيما سيحصل في البلاد بعده، وكان قاصدا بحكم اختصاصه!
لنفترض أن تطورات الوضع في البلاد أدت إلى استقالته أو إقالته أو أن وضعه الخاص أدى إلى عجز مؤقت دون قدرة على تفويض مهامه أو عجز نهائي أو وفاة، من هو صاحب القرار في إيجاد حل دستوري لهذه الوضعية.
هل نطبق دستور قيس سعيد أم دستور 2014 ؟ وفي الحالتين كيف ؟
تحتاج البلاد إلى وفاق يخرج البلاد من مرحلة حكم العبث ولا يلقيها في وضع 24 جويلية دون ضوابط تحول دون العودة إلى حكم الفساد وغياب سلطة القانون.
يجب اتفاق الجميع على تكليف لجنة قانونية دون نقاشات حول اختيار افرادها إذ يعينون بالصفة، يكون دورها وضع خارطة طريق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ظل دستور سنة 2014 وتصور للجهة التي تسير البلاد في المرحلة السابقة للانتخابات مع التزام الجميع بما تعرضه اللجنة من مقترح.
يجب الاعتراف بأن قيس سعيد انقلب يوم 22 سبتمبر 2021 والتوقف عن اعتبار 25 جويلية 2021 تاريخ انقلاب لسببين، اولهما براغماتي وثانيهما مبدئي.
السبب البراغماتي: مؤسسات الدولة التي سيكون لها دور فارق في حل الأزمة يصعب عليها التعامل بأريحية مع من يتهمها بالمشاركة في انقلاب، تعتبره هي تطبيقا لأمر ممن كان له الصفة لاتخاذه بقطع النظر عن نقطة تجميد البرلمان التي لا ترقى إلى جعل تنفيذ الإجراءات الاستثنائية أمرا بديهي اللاشرعية يمكن رفض تنفيذه.
السبب المبدئي:
لا ينبغي بحال أن ننسى الظروف التي أدت إلى 25 جويلية والتي أدت أيضا لاستسهال قيس سعيد الانقلاب بداية من 22 سبتمبر وتوجهه دون حاجز جدي لإنهاء التجربة الديمقراطية بسهولة.
عشنا تجارب مختلفة وحكومات مختلفة مع أغلبيات مختلفة. تجارب سادت فيها انحرافات منعت تونس من شق طريقها نحو التقدم وخلقت مناخا تميز بما يلي:
تمويل أجنبي غزير لبعض الأحزاب، ابتزاز لأصحاب المؤسسات، خدمة لمصالح دول أخرى لاعتبارات حزبية، إفساد للإدارة، السيطرة على مفاصل وزارة الداخلية لضمان عدم المحاسبة، والتدخل الحزبي في العمل الأمني، استقطاب قضاة والضغط على آخرين لمنع المحاسبة، العبث بالدولة لخدمة مصالح حزبية، حماية فاسدين، السيطرة على الإعلام والإعلام البديل بالمال وأحيانا بالتهديد لتجهيل المواطنين وخلط الأمور عليهم...
تبعت كل هذا سياسة مالية تقوم على الخضوع لكل التنازلات بحثا عن سلامة حكومات كان يهمها بقاؤها أكثر من الإصلاح، بدل العمل على خلق المناخ المناسب لخلق الثروة وتطوير البلاد في مسار شاق وطويل. وتبعه فقر ومزيد البطالة وآلام للمهمشين كان من الممكن التقليص منها لو كانت الغاية الوطن لا الحسابات الحزبية والخاصة.
هذا الأمر لا يجب أن يتكرر ومن ضمانات عدم تكراره المحاسبة عن طريق قضاء نرجو أن يستفيد من محنته ليطهر نفسه من كل من فرط في استقلاليته في كل العهود من بن علي إلى قيس سعيد مرورا بما بينهما.
أي دعوة لتوحيد الجميع يجب أن تتضمن موقفا واضحا يقر بضرورة محاسبة السياسيين المورطين في الفساد دون استثناء ومن ضرورة رفع اليد عن القضاء وضرورة تخليصه ممن لا يليقون به، وهذا الموقف يجب أن يجسد أولا بشروع كل حزب في إبعاد من تعلقت به شبهات من قياداته.
لا بد من التذكير هنا أن ما ذكرته من معلومات هو جزء مما يعرفه على الأقل العسكريون والأمنيون والقضاة والصحافيون وكل السياسيين بما في ذلك من ينكرونه في العلن، وبما أننا نطلب من أجهزة الدولة موقفا وطنيا وربما تضحيات فالأولى أن تضحي الأحزاب المورطة في الفساد بمن تورط قانونا في جرائم فسادها وتمويلها من قياداتها وغيرها بأن تبعدهم عن المشهد، اللهم إذا أرادت أن تعلن رسميا أنها تتبنى هذا الفساد فتضع نفسها هدفا لا يقل أهمية عن إنهاء مرحلة قيس سعيد.
جزء من شعبنا بلا أي عقلانية دعم قيس سعيد بعد انقلابه خوفا من عودة منظومة الفساد، كان جزءا يعبث نعم ولكن يجب فهم دوافعه، وتحويلها إلى مشروع عقلاني يبني ولا يحطم. تجاهل تطلعات هؤلاء وغيرهم سيجعلنا ننتقل من مصيبة إلى أخرى.
شاهد الفيديو :
تعليقات
إرسال تعليق